ثقافة مارسيل خليفة يتحدث عن شركات انتاج الفن الرخيص، وتكريس المهرجانات والاعلام لواقع ثقافي متخلّف
كنت صغيرا جدا حين وقفت وسط جوقة المدرسة، أمام سرايا الحكومة في عيد الاستقلال، وكان استاذ الموسيقى يقفز بيننا ويصرخ ويقول انتبهوا غنوا النشيد دون نشاز ولوحوا بالاعلام عند مرور الرئيس.. ومرّ الرئيس ولم يسمعنا وجلس على الكرسي المخصص لفخامته تلك كانت بداية فرح مدرسي يفوق طاقة طفل صغير .. ومنذ ذلك الوقت وانا اتساءل لماذا علينا أن نصطف في كل مناسبة وننشد للرئيس .."
بهذه الكلمات استهل الفنان وعازف العود اللبناني مارسيل خليفة كلمته التي ألقاها في شكل رسالة تحت عنوان "حيث لا تكذب الأغنيات" خلال ندوة صحفية عقدت صباح الاربعاء 18 جويلية 2018 بمدينة الثقافة للحديث عن جولته بالمهرجانات التونسية التي ستنطلق اليوم الخميس 19 جويلية 2018 بمهرجان الحمامات الدولي إضافة الى حفله بمهرجان قرطاج الدولي يوم الخميس 26 جويلية 2018.
ندوة صحفية أدارها الإعلامي "الحبيب جغام" بحضور وزير الشؤون الثقافية "محمد زين العابدين" الذي قال عن مارسيل :"مارسيل خليفة فنان ومثقف كبير، منتصر للقضايا العادلة ولم يحد عن هذا النهج طوال مسيرته." مؤكدا أن حضوره للندوة الصحفية لهذا الفنان أكبر دليل على قيمته في تونس التي فتحت له دائما أبوابها .
وبخصوص جولته بالمهرجانات التونسية، ذكر مارسيل خليفة أنه سيكون مرفوقا بكل من ابنه رامي خليفة على البيانو و"امريك" على الايقاع ، مؤكدا أن عروضه ستتضمن مقطوعات قديمة على غرار "جواز سفر" التي ستقدم بلغة موسيقية جديدة، كما أشار مارسيل أنه سيهدي شهداء تونس مقطوعة موسيقية بعنوان "صرخة "، كما تحدث عن قصيدة " آخر الليل" التي أعطى فيها للشعر أهمية بالصوت لا بالغناء، اضافة الى "روكليام" وهي موسيقى جنائزية لإعادة بناء وإحياء تاريخ المدن المدمرة. كما كشف صاحب " أحن الى خبز أمي" عن تقديمه لمقطوعات خاصة بالأطفال منها "كانت الحلواية" و"بوليس الاشارة" ومقطوعات أخرى من ألبوم للأطفال عنوانه "على الحدود"، مضيفا أن هناك مفاجأة أخرى عبارة عن تحية لتونس رفض الافصاح عنها .
أما ابنه رامي خليفة الذي حضر معه الندوة فقال ان العمل الذي سيقدم على مسارح تونس فيه الكثير من البحث الفني والموسيقي، مبينا وجود قطع موسيقية ألفها وسيقدمها مارسيل خليفة لأول مرة .
ومن بين الأمور التي تحدث عنها مارسيل في رسالة "حيث لا تكذب الأغنيات" قوله " لم أحضر اليوم كي أخبركم أني شخص سعيد وسأغني أمام جمهور يصفق لي أنا لا أصطاد التصفيق وكثيرا ما أطلب من الجمهور الصمت المطبق، نحن في حاجة ماسة وملحة لتخريب المجرى المنطقي للأمور الى عصيان قوانين اللعبة في الحياة والسياسة والفن، لذلك نسعى باستمرار لايجاد مستمعين صاحين متشددين في اختياراتهم، مستمعون يفيدون الينا للتساؤل حول ما يطرحه أي عمل ابداعي"
وذكر مارسيل أنه يرفض أن يقع وصف الفنان بفنان الغزل وآخر بفنان الحماسة أو الفخر، قائلا" أنا ثائر نعم .. لكن أنا أيضا أشياء أخرى فكما أثور أهدأ وكما أكره كذلك أحب وكما أصرخ كالمجنون كذلك أهمس كالطيف "، رافضا في ذات الوقت تصنيف الأغنية بالملتزمة لمجرد أنها تتناول بعض النماذج موضوعا ساخرا، ذلك لأن كل قفزات الأغنية هي قفزات سياسية بصرف النظر عن عدم التصريح المباشر في المضمون، على حدّ تعبيره.
وعن السياسة بيّن مارسيل أنها طغت على حياتنا طغيانا غمر بيوتنا وشوارعنا وكل زاوية في حياتنا بحيث لم نعد نرى الا من خلال هذا الطغيان، مشيرا الى أننا في أمس الحاجة الى شيء من سلامة الفكر والصحو نرى من خلاله ماذا يحدث لأنفسنا ولأفراد مجتمعنا.
أما عن االثقافة فقال ان حرية المبدع معرضة دائما للشكّ وللبيع والترويج من قبل شركات ومؤسسات تملك المال والاعلام، شركات تجعل المبدع يموت جوعا أو يموت من عذاب الضمير، مبينا أن الدور المشبوه الذي تمارسه شركات الانتاج للفن الرخيص وتنشره المهرجانات ووسائل الاعلام المختلفة يأخذ الناس الى عملية بالغة الخطورة من التجهيل والتدجين وان المهرجانات العربية صحبة الفضائيات العربية تسعى الى تكريس واقع متخلف وكلما بالغت الشركات المشبوهة في قياس الثقافة بمقياس المال والطاعة تعرض الواقع الثقافي الى مزيد من الخراب والفساد .
ولئن تحدث مارسيل خليفة عن الثقافة بكثير من السوداوية فانه اشار الى أن الثقافة بخير مدام هناك شعراء وكتاب وفنانون ومثقفون في مختلف الاختصاصات منتجين ومدركين الحافة التي يقفون عليها باذلين ما في وسعهم لحفظ الروح من التآكل والذاكرة من الانقراض حارصين على اصالة القيم الانسانية الخالدة ..
وختم مارسيل رسالته بقوله " الثائرون الحقيقيون يتألمون ويخيبون، لكنهم لا يستسلمون لا يترهلون لا يخونون أنفسهم والآخرين. أصدقائي شكرا لحضوركم. ولا أملك من لغة الأنبياء سوى مفردة يتيمة: حب. لكم كل الحب".
مارسيل خليفة الهادئ الثائر لم يكتف خلال هذه الندوة الصحفية بالحديث عن وجعه الفني وشواغله بل ايضا تطرق بطريقة فيها من السخرية الكثير الى طريقة استقباله بمطار تونس قرطاج الدولي، حيث عبر عن استيائه الشديد من الطريقة التي تم استقباله بها وعدم استقباله من قبل اي مسؤول من ادارة مهرجان قرطاج مضيفا انه لم يسمح له بالدخول الى القاعة الشرفية بل بقي قرابة الساعة والنصف بقاعة الانتظار العادية مع بقية الركاب.
كما عبّر الفنان عن استيائه من تردي خدمات الخطوط الجوية التونسية حيث ان حقائبه وصلت متخرة جدا، مضيفا ان بعض المسافرين التونسيين عبرّوا له عن اندهاشهم من وجوده بينهم في قاعة الانتظار العادية عوض استقباله بالقاعة الشرفية.
سناء الماجري